دَوْرُ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ فِي تَشْكِيلِ الهَوِيَّةِ الثَّقَافِيَّةِ لِجِيلِ الشَّبَابِ
مَنْ لَا يَعْرِفُ وَسَائِلَ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ؟ فِي العَصْرِ الرَّقْمِيِّ الحَالِيِّ، أَصْبَحَتْ وَسَائِلُ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ جُزْءًا لَا يَتَجَزَّأُ مِنَ الحَيَاةِ اليَوْمِيَّةِ. وَمَعَ ذَلِكَ، لَا يَسْتَخْدِمُ الجَمِيعُ وَسَائِلَ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ بِشَكْلٍ مُتَسَاوٍ، حَيْثُ يَمِيلُ جِيلُ الشَّبَابِ إِلَى اسْتِخْدَامِهَا أَكْثَرَ مِنَ الجِيلِ الأَكْبَرِ سِنًّا، الَّذِي قَدْ يَكُونُ أَقَلَّ دِرَايَةً بِهَا. مِنْ إنْسْتَغْرَامَ(Instagram) إِلَى تِيكْ تَوكْ(TikTok)، هَذِهِ المَنَصَّاتُ لَيْسَتْ فَقَطْ مَكَانًا لِتَبَادُلِ الصُّوَرِ وَالفِيدْيُوهَاتِ أَوِ الحُصُولِ عَلَى المَعْلُومَاتِ، بَلْ أَيْضًا سَاحَةً تَتَشَكَّلُ فِيهَا الهَوِيَّاتُ الثَّقَافِيَّةُ وَتُعَبَّرُ عَنْهَا. إِذَنْ، كَيْفَ تَلْعَبُ وَسَائِلُ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ دَوْرًا فِي تَشْكِيلِ الهَوِيَّةِ الثَّقَافِيَّةِ لِجِيلِ الشَّبَابِ؟
بِدَايَةً مِنَ السُّؤَالِ، مَا هِيَ الهَوِيَّةُ الثَّقَافِيَّةُ؟ يُمْكِنُ تَعْرِيفُ الهَوِيَّةِ الثَّقَافِيَّةِ عَلَى أَنَّهَا مَجْمُوعَةٌ مِنَ السِّمَاتِ الثَّقَافِيَّةِ الَّتِي تُمَيِّزُ أُمَّةً أَوْ مَجْمُوعَةً مُجْتَمَعِيَّةً عَنْ غَيْرِهَا. يُوَضِّحُ كِينِيثْ بِيرْكْ (Kenneth Burke), أَنَّ تَحْدِيدَ الهَوِيَّةِ الثَّقَافِيَّةِ يَعْتَمِدُ بِشَكْلٍ كَبِيرٍ عَلَى "اللُّغَةِ" (كَعُنْصُرٍ غَيْرِ مَادِيٍّ)، وَكَيْفِيَّةِ تَمْثِيلِ اللُّغَةِ لِلْوَاقِعِ وَوَصْفِهَا لِلْهُوِيَّاتِ المُخْتَلِفَةِ ثُمَّ مُقَارَنَتِهَا.
بِالنِّسْبَةِ لِلشَّبَابِ، تُعَدُّ الهَوِيَّةُ الثَّقَافِيَّةُ أَمْرًا بَالِغَ الأَهَمِّيَّةِ لِأَنَّهَا تُسَاعِدُهُمْ عَلَى فَهْمِ هُوِيَّتِهِمْ وَأُصُولِهِمْ. فَهِيَ تُوَفِّرُ لَهُمْ شُعُورًا بِالانْتِمَاءِ وَالفَهْمِ الوَاضِحِ لِأَنْفُسِهِمْ وَلِمُجْتَمَعِهِمْ. فِي عَالَمٍ سَرِيعِ الخُطَى تَتَفَاعَلُ فِيهِ الثَّقَافَاتُ بِشَكْلٍ مُسْتَمِرٍّ، يَحْتَاجُ الشَّبَابُ إِلَى التَّمَسُّكِ بِهُوِيَّتِهِمِ الثَّقَافِيَّةِ بِقُوَّةٍ، لَيْسَ فَقَطْ لِفَهْمِ أَنْفُسِهِمْ، بَلْ أَيْضًا لِتَقْدِيرِ الِاخْتِلَافَاتِ مِنْ حَوْلِهِمْ وَلِكَيْلَا يَنْجَرِفُوا بِسُهُولَةٍ وَرَاءَ تَأْثِيرَاتِ العَوْلَمَةِ الثَّقَافِيَّةِ.
يُشَرِّحُ تُومَاسْ إِل. فرِيدْمَانْ (Thomas L. Friedman) أَنَّ العَوْلَمَةَ لَهَا بُعْدَانِ: إيدْيُولُوجِيٌ وَتِكْنُولُوجِيٌّ. البُعْدُ الأَيْدِيُولُوجِيُّ يَتَمَثَّلُ فِي السُّوقِ الحُرَّةِ وَالرَّأْسِمَالِيَّةِ، بَيْنَمَا البُعْدُ التِّكْنُولُوجِيُّ يَتَمَثَّلُ فِي تِكْنُولُوجِيَا المَعْلُومَاتِ الَّتِي وَحَّدَتِ العَالَمَ. تَجْلِبُ العَوْلَمَةُ ثَقَافَاتٍ مِنْ مُخْتَلِفِ أَنْحَاءِ العَالَمِ إِلَى مَنَصَّةٍ وَاحِدَةٍ. وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّ هَذَا يُثْرِي المَعْرِفَةَ، إِلَّا أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَصْدَرًا لِلارْتِبَاكِ بِالنِّسْبَةِ لِلشَّبَابِ الَّذِينَ يُحَاوِلُونَ العُثُورَ عَلَى هُوِيَّتِهِمْ فِي عَالَمٍ يَزْدَادُ تَرَابُطًا. فَقَدْ يَشْعُرُونَ بِالحَيْرَةِ عِنْدَ مُحَاوَلَةِ التَّكَيُّفِ مَعَ ثَقَافَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ.
شَهِدَتْ وَسَائِلُ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ فِي إِنْدُونِيسِيَا تَطَوُّرًا سَرِيعًا. وَفْقًا لِتَقْرِيرِ "Business Insider"، مِنَ المُتَوَقَّعِ أَنْ تُصْبِحَ إِنْدُونِيسِيَا وَاحِدَةً مِنْ بَيْنِ الدُّوَلِ العَشْرِ الأَكْثَرِ نَشَاطًا عَلَى وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ بِحُلُولِ عَامِ ٢٠٢٥. وَوَفْقًا لِمَوْقِعِ theglobalstatistics.com، فَإِنَّ عَدَدَ مُسْتَخْدِمِي وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ فِي إِنْدُونِيسِيَا سَيَصِلُ إِلَى ١ ٩١.٤ مِلْيُونِ مُسْتَخْدِمٍ بِحُلُولِ ذَلِكَ العَامِ. كَمَا أَنَّ ٦٨. ٩% مِنْ سُكَّانِ إِنْدُونِيسِيَا يَسْتَخْدِمُونَ وَسَائِلَ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ. وَمِنَ المُتَوَقَّعِ أَنْ يَزْدَادَ عَدَدُ المُسْتَخْدِمِينَ النَّشِطِينَ بِنِسْبَةِ ١٢.٦% فِي عَامِ ٢٠٢٥، أَيْ بِزِيَادَةِ ٢١ مِلْيُونَ مُسْتَخْدِمٍ مُقَارَنَةً بِعَامِ ٢٠٢٢. وَيَقْضِي المُسْتَخْدِمُونَ فِي المُتَوَسِّطِ ٨ سَاعَاتٍ وَ٣٦ دَقِيقَةً يَوْمِيًّا عَلَى الإنْتِرْنِتِ، مِنْهَا ٣ سَاعَاتٍ وَ١٧ دَقِيقَةً عَلَى وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ.
تَتَمَتَّعُ مَنَصَّاتُ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ المُخْتَلِفَةُ، مِثْلَ إنْسْتَغْرَامَ وَتْوِيتْرَ(Twitter) (الَّذِي تَغَيَّرَ اسْمُهُ إِلَى X) وَتِيكْ تَوكْ، بِخَصَائِصَ فَرِيدَةٍ تَجْذِبُ انْتِبَاهَ الشَّبَابِ. وَفْقًا لِإِحْصَاءَاتِ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ فِي إِنْدُونِيسِيَا، لَا يَزَالُ إنْسْتَغْرَامَ المَنَصَّةَ الأَكْثَرَ شُعُوبِيَّةً، حَيْثُ يُقَدَّرُ عَدَدُ مُسْتَخْدِمِيهِ بِحَوَالِي ١٧٣.٥٩ مِلْيُونَ مُسْتَخْدِمٍ بِحُلُولِ عَامِ ٢٠٢٥. وَهَذَا الرَّقْمُ يُمَثِّلُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ سُكَّانِ إِنْدُونِيسِيَا. كُلَّ يَوْمٍ، تَظْهَرُ مَوَاضِيعُ وَمُحَادَثَاتٌ جَدِيدَةٌ عَبْرَ هَذِهِ المَنَصَّاتِ، مِمَّا يَجْعَلُهَا بِمَثَابَةِ مَنَصَّةٍ لِتَطْوِيرِ الثَّقَافَةِ الشَّعْبِيَّةِ.
تُعَدُّ وَسَائِلُ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ جِسْرًا بَيْنَ الشَّبَابِ وَثَقَافَتِهِمْ. مِنْ خِلَالِ هَذِهِ المَنَصَّاتِ، يُمْكِنُهُمْ العُثُورُ عَلَى مُحْتَوًى يَعْكِسُ قِيَمَهُمُ الثَّقَافِيَّةَ وَمُشَارَكَتُهُ، مِمَّا يَخْلُقُ مَسَاحَةً يُمْكِنُ مِنْ خِلَالِهَا التَّرْوِيجُ لِلثَّقَافَةِ المَحَلِّيَّةِ وَتَقْدِيرُهَا. غَالِبًا مَا يُشَارِكُ الشَّبَابُ مُحْتَوًى يَعْكِسُ هُوِيَّتَهُمُ الثَّقَافِيَّةَ، مِثْلَ الأَطْعِمَةِ التَّقْلِيدِيَّةِ، وَالمَهْرَجَانَاتِ الثَّقَافِيَّةِ، وَالأَزْيَاءِ التَّقْلِيدِيَّةِ. وَمِنْ خِلَالِ ذَلِكَ، لَا يُعَزِّزُونَ هُوِيَّتَهُمُ الثَّقَافِيَّةَ فَحَسْبُ، بَلْ يُعَرِّفُونَ الآخَرِينَ بِثَقَافَتِهِمْ أَيْضًا.
أَصْبَحَتْ وَسَائِلُ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ مَكَانًا لِازْدِهَارِ المُجْتَمَعَاتِ عَبْرَ الإنْتِرْنِتِ الَّتِي تُحَافِظُ عَلَى ثَقَافَاتٍ مُحَدَّدَةٍ وَتُحَافِلُ بِهَا. عَلَى سَبِيلِ المِثَالِ، تُوجَدُ مَجْمُوعَاتٌ عَلَى فِيسْبُوكَ مُخَصَّصَةٌ لِعُشَّاقِ المُوسِيقَى التَّقْلِيدِيَّةِ، أَوْ حِسَابَاتٌ عَلَى إنْسْتَغْرَامَ تُرَكِّزُ عَلَى الفُنُونِ وَالحِرَفِ المَحَلِّيَّةِ، أَوْ حَتَّى المُحَافَظَةِ عَلَى الأَلْعَابِ التَّقْلِيدِيَّةِ. تُوَفِّرُ هَذِهِ المُجْتَمَعَاتُ الدَّعْمَ وَالمَسَاحَةَ لِلشَّبَابِ لِلمُشَارَكَةِ الفَعَّالَةِ فِي الحِفَاظِ عَلَى ثَقَافَتِهِمْ.
تُوَفِّرُ وَسَائِلُ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ فُرْصَةً لِلشَّبَابِ لِمُشَارَكَةِ تَقَالِيدِهِمْ وَفُنُونِهِمْ وَقِيَمِهِمُ الثَّقَافِيَّةِ مَعَ جُمْهُورٍ أَوْسَعَ. عَلَى سَبِيلِ المِثَالِ، يُمْكِنُ لِلمُسْتَخْدِمِينَ التَّعْبِيرُ عَنْ إِبْدَاعِهِمْ مِنْ خِلَالِ مُقَطَّعَاتِ الفِيدْيُو القَصِيرَةِ عَلَى تِيكْ تَوكْ. كَمَا يُمْكِنُهُمْ مُشَارَكَةُ مُحْتَوًى يَعْكِسُ ثَقَافَتَهُمْ، مِثْلَ الصُّوَرِ وَالفِيدْيُوهَاتِ وَالقِصَصِ الَّتِي تَتَناوَلُ تَقَالِيدَهُمْ وَقِيَمَهُمْ.
عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّ وَسَائِلَ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ تُقَدِّمُ العَدِيدَ مِنَ المَزَايَا، إِلَّا أَنَّهُ تُوجَدُ أَيْضًا تَحَدِّيَاتٌ تَظْهَرُ، مِثْلَ تَأْثِيرِ الاتِّجَاهَاتِ العَالَمِيَّةِ الَّتِي قَدْ تُؤَدِّي إِلَى تَآكُلِ القِيَمِ الثَّقَافِيَّةِ المَحَلِّيَّةِ. يُعَدُّ الشَّبَابُ أَكْثَرَ عُرْضَةً لِلتَّأْثِيرِ بِالثَّقَافَاتِ الأَجْنَبِيَّةِ، وَالَّتِي قَدْ تُؤَدِّي فِي النِّهَايَةِ إِلَى فِقْدَانِ هُوِيَّتِهِمِ الثَّقَافِيَّةِ. يُصْبِحُ هَذَا أَمْرًا أَكْثَرَ أَهَمِّيَّةً بِالنَّظَرِ إِلَى أَنَّ مُسْتَخْدِمِي وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ يَشْمَلُونَ شَرَائِحَ مُخْتَلِفَةً، بَدْءًا مِنْ أَطْفَالِ المَدَارِسِ الابْتِدَائِيَّةِ وُصُولًا إِلَى البَالِغِينَ.
لَوَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ دَوْرٌ كَبِيرٌ فِي تَشْكِيلِ الهَوِيَّةِ الثَّقَافِيَّةِ لِجِيلِ الشَّبَابِ. فَمِنْ خِلَالِ تَوْفِيرِ مَنَصَّةٍ لِمُشَارَكَةِ الثَّقَافَةِ وَالاحْتِفَاءِ بِهَا، تُسَاعِدُ وَسَائِلُ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ الشَّبَابَ عَلَى فَهْمِ هُوِيَّتِهِمْ وَتَقْدِيرِهَا. وَلَكِنْ، لَا يُمْكِنُ تَجَاهُلُ التَّحَدِّيَاتِ الَّتِي تَظْهَرُ. يَجِبُ عَلَى الشَّبَابِ أَنْ يَجِدُوا تَوَازُنًا بَيْنَ تَقْدِيرِ ثَقَافَتِهِمْ وَالبَقَاءِ مُنْفَتِحِينَ عَلَى التَّأْثِيرَاتِ العَالَمِيَّةِ.