التَّوَسُّطُ فِي الدِّينِ: المَفهُومُ، التَّطْبِيقُ، وَتَطَوُّرُهُ فِي إندونيسيا
إنه لَحَقيقةٌ أن نَقولَ إنَّ إندونيسيا هي دولةٌ ذاتُ ثقافةٍ وأديانٍ وأعراقٍ مُتَنَوِّعةٍ جِدًّا.
وَفقًا للموقعِ الرَّسميِّ لِلهيئةِ المَركزيَّةِ للإحصاءِ (BPS)، فإنَّ عددَ سُكَّانِ إندونيسيا في عامِ ٢٠٢٣ قد وَصَلَ إلى ٢٧٨٫٨ مليونَ نسمةٍ. وَمعَ هذا العَدَدِ الكبيرِ مِنَ السُّكَّانِ، فَلَيْسَ مِنَ الغَريبِ أنْ يَمتَلِكَ المُجتَمَعُ الإندونيسيُّ مُعتَقَداتٍ وأديانًا مُتَنَوِّعةً.
مِن خلالِ القرارِ الرِّئاسيِّ الأعلَى رقم ١ لعامِ ١٩٦٥ وَالقانونِ رقم ٥ لعامِ ١٩٦٩، قَامَتِ الحُكُومَةُ الإندونيسيَّةُ بِإِعْلَانِ ستِّ دِيَاناتٍ رَسْمِيَّةٍ فِي إندونيسيا، وَهِيَ الإسلامُ، وَالمَسِيحِيَّةُ، وَالكَاثُولِيكِيَّةُ، وَالهِندُوسِيَّةُ، وَالبُوذِيَّةُ، وَالكُونْفُوشِيُوسِيَّةُ.
فِي عَامِ ٢٠٠٣، كَشَفَت وَزَارَةُ الثَّقَافَةِ وَالسِّيَاحَةِ أَنَّهُ يوجَدُ عَلَى الأقلِّ ٢٤٥ دِينًا مَحَلِّيًّا فِي إندونيسيا. وَيُعْتَبَرُ هَذَا الرَّقْمُ خَبَرًا سَارًّا مِنْ نَاحِيَةِ تَعَدُّدِ المُعْتَقَدَاتِ فِي إندونيسيا، وَفِي الوَقتِ نَفْسِهِ يُمَثِّلُ تَحَدِّيًا لِلشَّعْبِ الإندونيسيِّ فِي مُوَاجَهَةِ التَّعَدُّدِيَّةِ الدِّينِيَّةِ. وَلِلتَّعَامُلِ مَعَ هَذِهِ الحَالَةِ وَاتِّخَاذِ خُطُوَاتٍ صَحِيحَةٍ، فَإِنَّ التَّوَسُّطَ فِي الدِّينِ يُعْتَبَرُ ضَرُورِيًّا.
فِي الأَسَاسِ، يُقْصَدُ بِمُصْطَلَحِ التَّوَسُّطِ فِي الدِّينِ هُوَ نَهْجٌ أَو مَوْقِفٌ يُؤَكِّدُ عَلَى الفَهْمِ، وَالتَّسَامُحِ، وَالتَّوَازُنِ فِي مُمارَسَةِ العِبَادَاتِ الدِّينِيَّةِ. وَيَعْنِي كَلِمَةُ المُعْتَدِلُ فِي المُعْجَمِ أَنَّهُ دَوْمًا يَتَجَنَّبُ السُّلُوكَ المُتَطَرِّفَ وَيَتَّبِعُ نَهْجَ الوَسَطِيَّةِ.
إِنَّ الأَحْدَاثَ الَّتِي تَحْصُلُ بِاسْمِ الدِّينِ، كَالتَّفْجِيرَاتِ فِي الكَنَائِسِ الَّتِي يَقُومُ بِهَا بَعْضُ المُسْلِمِينَ، تَنْشَأُ بِسَبَبِ قِلَّةِ تَطْبِيقِ مَبَادِئِ التَّوَسُّطِ فِي الدِّينِ. وَبِالنَّظَرِ إِلَى وُجُودِ ٦ دِيَانَاتٍ رَسْمِيَّةٍ فِي إندونيسيا، فَإِنَّهُ مِنَ الطَّبِيعِيِّ أَنْ يُطَبِّقَ المُجْتَمَعُ الإندونيسيُّ مَبَادِئَ التَّوَسُّطِ فِي الدِّينِ.
وَفْقًا لِمَا ذَكَرَهُ العَالِمُ قُرَيْش شِهَاب، فَإِنَّ تَطْبِيقَ التَّوَسُّطِ فِي الدِّينِ يَتَطَلَّبُ تَحْقِيقَ ثَلَاثَةِ شُرُوطٍ أَسَاسِيَّةٍ:
١. المَعْرِفَةُ: وَهِيَ شَرْطٌ أَسَاسِيٌّ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ لِلشَّخْصِ تَطْبِيقُ التَّوَسُّطِ فِي الدِّينِ وَهُوَ جَاهِلٌ بِمَعْنَاهُ وَمَبَادِئِهِ؟
٢. ضَبْطُ العَوَاطِفِ: لَا يَقْتَصِرُ هَذَا فَقَطْ عَلَى التَّوَسُّطِ فِي الدِّينِ، بَلْ يَشْمَلُ كُلَّ مَجَالٍ فِي الحَيَاةِ. فَالعَوَاطِفُ إِذَا لَمْ تَكُنْ مَضْبُوطَةً، فَقَدْ تَدْفَعُ الإِنْسَانَ إِلَى اتِّخَاذِ قَرَارَاتٍ غَيْرِ صَحِيحَةٍ.
٣. الحَذَرُ بِاسْتِمْرَارٍ: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الإِنْسَانُ مُتَيَقِّظًا، فَهُوَ يُحَلِّلُ مَا يَسْمَعُهُ وَمَا يَرَاهُ بِعَقْلٍ مُتَفَكِّرٍ.
بِالنَّظَرِ إِلَى تَعَدُّدِ الأَدْيَانِ فِي إندونيسيا، يَجِبُ عَلَى المُجْتَمَعِ الإندونيسيِّ تَطْبِيقُ شِعَارِ "الوَحْدَةُ فِي التَّنَوُّعِ". وَمَعَ أَنَّ الأَدْيَانَ مُخْتَلِفَةٌ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنَ التَّعَايُشِ السِّلْمِيِّ وَالاحْتِرَامِ المُتَبَادَلِ.
إِنَّ الشَّعْبَ الإندونيسيَّ يَمْلِكُ البَانْشَاسِيلَا كَمَبْدَأٍ أَسَاسِيٍّ فِي حَيَاتِهِ. وَمِنْ خِلَالِهَا، يُؤَكَّدُ عَلَى الحُرِّيَّةِ الدِّينِيَّةِ وَالاحْتِرَامِ المُتَبَادَلِ بَيْنَ أَتْبَاعِ الأَدْيَانِ.
وَفِي النِّهَايَةِ، فَإِنَّ التَّوَسُّطَ فِي الدِّينِ هُوَ نَهْجٌ يُؤَكِّدُ عَلَى الفَهْمِ المُتَعَقِّلِ وَالعَامِلِ بِالقِيمِ الدِّينِيَّةِ بِشَكْلٍ مُتَوَازِنٍ، وَهُوَ مُهِمٌّ لِلمُحَافَظَةِ عَلَى وَحْدَةِ المُجْتَمَعِ الإندونيسيِّ المُتَنَوِّعِ وَتَحْقِيقِ إندونيسيا الذَّهَبِيَّةِ
المؤلف: جاسميكو
صورة سمبر: بيكسلز